واليكم السلسله الثالثه من تفسير القران الكريم لابن كثير
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
الآيات ( 106 1 4 )
مقدمة تفسير سورة الفيل ولله الحمد والمنة تفسير سورة قريش ذكر حديث غريب في فضلها قال البيهقي في كتاب الخلافيات حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو حدثنا أحمد بن عبد الله الزينبي حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت بن شرحبيل حدثني عثمان بن عبد الله أبي عتيق عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة عن أبيه عن جدته أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله قال فضل الله قريشا بسبع خلال إني منهم وإن النبوة فيهم والحجابة والسقاية فيهم وإن الله نصرهم على الفيل وإنهم عبدوا الله عز وجل عشر سنين لا يعبده غيرهم وإن الله أنزل فيهم سورة من القرآن ثم تلا رسول الله ( بسم الله الرحمن الرحيم لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف )
هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام كتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم وإن كانت متعلقة بما قبلها كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم لأن المعنى عندهما حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله لإيلاف قريش أي لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين وقيل المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم لعظمتهم عند الناس لكونهم سكان حرم الله فمن عرفهم احترمهم بل من صوفي إليهم وسار معهم أمن بهم وهذا حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم وأما في حال إقامتهم في البلد فكما قال الله تعالى ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) ولهذا قال تعالى ( لإيلاف قريش إيلافهم ) بدل من الأول ومفسر له ولهذا قال تعالى ( إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ) وقال بن جرير الصواب أن اللام لام التعجب كأنه يقول اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك قال وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال ( فليعبدوا رب هذا البيت ) أي فليوحدوه بالعبادة كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما كما قال تعالى ( قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين ) وقوله تعالى ( الذي أطعمهم من جوع ) أي هو رب البيت وهو الذي أطعمهم من جوع ( وآمنهم من خوف ) أي تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له ولا يعبدوا من دونه صنما ولا ندا ولا وثنا ولهذا من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة ومن عصاه سلبهما منه كما قال تعالى ( ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ) وقد قال بن أبي حاتم حدثنا عبد الله بن عمرو العدني حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ليث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله
يقول ويل لكم قريش لإيلاف قريش ثم قال حدثنا أبي حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى يعني بن يونس عن عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله يقول لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ويحكم يا معشر قريش اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف هكذا رأيته عن أسامة بن زيد وصوابه عن أسماء بنت يزيد بن السكن أم سلمة الأنصارية رضي الله عنها فلعله وقع غلط في النسخة أو في أصل الرواية والله أعلم
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
التفسير
مقدمة تفسير سورة لإيلاف قريش ولله الحمد والمنة تفسير سورة الماعون بسم الله الرحمن الرحيم يقول تعالى أرأيت يا محمد الذي يكذب بالدين وهو المعاد والجزاء والثواب ( فذلك الذي يدع اليتيم ) أي هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه ولا يطعمه ولا يحسن إليه ( ولا يحض على طعام المسكين ) كما قال تعالى ( كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين ) يعني الفقير الذي لاشيء له يقوم بأوده وكفايته ثم قال تعالى ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال بن عباس وغيره يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر ولهذا قال ( للمصلين ) الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها ثم هم عنها ساهون إما عن فعلها بالكلية كما قاله بن عباس وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا فيخرجها عن وقتها بالكلية كما قاله مسروق وأبو الضحى وقال عطاء بن دينار الحمد لله الذي قال ( عن صلاتهم ساهون ) ولم يقل في صلاتهم ساهون وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها فاللفظ يشمل ذلك كله ولكن من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها وكمل له النفاق العملي كما ثبت في الصحيحين 622 أن رسول الله قال تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى كما ثبت به النص إلى آخر وقتها وهو وقت كراهة ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا ولهذا قال لا يذكر الله فيها إلا قليلا ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس لا ابتغاء وجه الله فهو كما إذا لم يصل بالكلية قال الله تعالى ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) وقال تعالى ها هنا ( الذين هم يراءون ) وقال الطبراني 1212803 حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي حدثني أبي حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن يونس عن الحسن عن بن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال إن في جهنم لواديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد لحامل كتاب الله وللمصدق في غير ذات الله وللحاج إلى بيت الله وللخارج في سبيل الله وقال الإمام أحمد 2212 حدثنا أبو نعيم حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة قال كنا جلوسا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء فقال رجل يكنى بأبي يزيد سمعت عبد الله بن عمرو يقول قال رسول الله من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وحقره وصغره ورواه أيضا 2162 عن غندر ويحيى القطان عن شعبة عن عمرو بن مرة عن رجل عن عبد الله بن عمرو عن النبي فذكره ومما يتعلق بقوله تعالى ( الذين هم يراءون ) أن من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أن هذا لا يعد رياء والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا هارون بن معروف حدثنا مخلد بن يزيد حدثنا سعيد بن بشير حدثنا الأعمش
عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنت أصلي فدخل علي رجل فأعجبني ذلك فذكرته لرسول الله فقال كتب لك أجران أجر السر وأجر العلانية قال أبو علي هارون بن معروف بلغني أن بن المبارك قال نعم الحديث للمرائين وهذا حديث غريب من هذا الوجه وسعيد بن بشير متوسط وروايته عن الأعمش عزيزة وقد رواه غيره عنه قال أبو يعلى أيضا حدثنا محمد بن المثنى بن موسى حدثنا أبو داود حدثنا أبو سنان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله الرجل يعمل العمل يسره فإذا اطلع عليه أعجبه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم له أجران أجر السر وأجر العلانية وقد رواه الترمذي 2384 عن محمد بن المثنى وبن ماجة 4226 عن بندار كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني واسمه ضرار بن مرة ثم قال الترمذي غريب وقد رواه الأعمش وغيره عن حبيب عن أبي صالح مرسلا وقد قال أبو جعفر بن جرير حدثني أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي حدثني رجل عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله لما نزلت هذه الآية ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال الله أكبر هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته وإن تركها لم يخف ربه فيه جابر الجعفي وهو ضعيف وشيخه مبهم لم يسم والله أعلم وقال بن جرير أيضا حدثني زكريا بن أبان المصري حدثنا عمرو بن طارق حدثنا عكرمة بن إبراهيم حدثني عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال سألت رسول الله عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية ويحتمل صلاتها بعد وقتها شرعا أو تأخيرها عن أول الوقت وكذا رواه الحافظ أبو يعلى 822 عن شيبان بن فروخ عن عكرمة بن إبراهيم به ثم رواه 704 عن أبي الربيع عن جابر عن عاصم عن مصعب عن أبيه موقوفا سهوا عنها حتى ضاع الوقت وهذا أصح إسنادا وقد ضعف البيهقي رفعه وصحح وقفه وكذلك الحاكم وقوله تعالى ( ويمنعون الماعون ) أي لا أحسنوا عبادة ربهم ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى وقد قال بن أبي نجيح عن مجاهد قال على الماعون الزكاة وكذا رواه السدي عن أبي صالح عن علي وكذا روي من غير وجه عن بن عمر وبه يقول محمد بن الحنفية وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وعطاء وعطية العوفي والزهري والحسن وقتادة والضحاك وبن زيد قال الحسن البصري إن صلى راءى وإن فاتته لم يأس عليها ويمنع زكاة ماله وفي لفظ صدقة ماله وقال زيد بن أسلم هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها وضمنت الزكاة فمنعوها وقال الأعمش وشعبة عن الحكم عن يحيى بن الخراز أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون فقال هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر وقال المسعودي عن سلمة بن كهيل عن أبي العبيدين أنه سأل بن مسعود عن الماعون فقال هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك وقال بن جرير حدثني محمد بن عبيد المحاربي حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي العبيدين وسعد بن عياض عن عبد الله قال كنا أصحاب محمد نتحدث أن الماعون الدلو والفأس والقدر لا يستغنى عنهن وحدثنا خلاد بن أسلم أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي مثله وقال الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد عن عبد الله أنه سئل عن الماعون فقال ما يتعاوره الناس بينهم الفأس والدلو وشبهه وقال بن جرير حدثنا عمرو بن علي الفلاس حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال كنا مع نبينا ونحن نقول الماعون منع الدلو وأشباه ذلك وقد رواه أبو داود 1657 والنسائي 11701 عن قتيبة عن أبي عوانة بإسناده نحوه ولفظ النسائي عن عبد الله قال كل معروف صدقة وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله عارية الدلو والقدر وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال الماعون العواري القدر والميزان والدلو وقال بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس ( ويمنعون الماعون ) يعني متاع البيت وكذا قال مجاهد
وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وأبو مالك وغير واحد أنها العارية للأمتعة وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن بن عباس ويمنعون الماعون قال لم يجئ أهلها بعد وقال العوفي عن بن عباس ويمنعون الماعون قال اختلف الناس في ذلك فمنهم من قال يمنعون الزكاة ومنهم من قال يمنعون الطاعة ومنهم من قال يمنعون العارية رواه بن جرير ثم روى عن يعقوب بن إبراهيم عن بن علية عن ليث بن أبي سليم عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي الماعون منع الناس الفأس والقدر والدلو وقال عكرمة رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والإبرة رواه بن أبي حاتم وهذا الذي قاله عكرمة حسن فإنه يشمل الأقوال كلها وترجع كلها إلى شيء واحد وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة ولهذا قال محمد بن كعب ويمنعون الماعون قال المعروف ولهذا جاء في الحديث كل معروف صدقة وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن بن أبي ذئب عن الزهري ( ويمنعون الماعون ) قال بلسان قريش المال وروى ها هنا حديثا غريبا عجيبا في إسناده ومتنه فقال حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا قيس بن حفص الدارمي حدثنا دلهم بن دهيم العجلي حدثنا عائذ بن ربيعة النميري حدثني قرة بن دعموص النميري أنهم وفدوا على رسول الله فقالوا يا رسول الله ما تعهد إلينا قال لا تمنعوا الماعون قالوا يا رسول الله وما الماعون قال في الحجر وفي الحديدة وفي الماء قالوا فأي الحديدة قال قدوركم النحاس وحديد الفأس الذي تمتهنون به قالوا ماالحجر قال قدوركم الحجارة غريب جدا ورفعه منكر وفي إسناده من لا يعرف والله أعلم وقد ذكر بن الأثير في الصحابة ترجمة علي النميري فقال روى بن مانع بسنده إلى عامر بن ربيعة بن قيس النميري عن علي بن فلان النميري سمعت رسول الله يقول المسلم أخو المسلم إذا لقيه جاء بالسلام ويرد عليه ماهو خير منه لا يمنع الماعون قلت يا رسول الله ما الماعون قال الحجر والحديد وأشباه ذلك والله أعلم
سوره الكوثر
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
التفسير
فاكهه وعين اعيان علوم المنصوره
سوره قريش
بسم الله الرحمن الرحيم
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
التفسير
الآيات ( 106 1 4 )
مقدمة تفسير سورة الفيل ولله الحمد والمنة تفسير سورة قريش ذكر حديث غريب في فضلها قال البيهقي في كتاب الخلافيات حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو حدثنا أحمد بن عبد الله الزينبي حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت بن شرحبيل حدثني عثمان بن عبد الله أبي عتيق عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة عن أبيه عن جدته أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله قال فضل الله قريشا بسبع خلال إني منهم وإن النبوة فيهم والحجابة والسقاية فيهم وإن الله نصرهم على الفيل وإنهم عبدوا الله عز وجل عشر سنين لا يعبده غيرهم وإن الله أنزل فيهم سورة من القرآن ثم تلا رسول الله ( بسم الله الرحمن الرحيم لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف )
هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام كتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم وإن كانت متعلقة بما قبلها كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم لأن المعنى عندهما حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله لإيلاف قريش أي لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين وقيل المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم لعظمتهم عند الناس لكونهم سكان حرم الله فمن عرفهم احترمهم بل من صوفي إليهم وسار معهم أمن بهم وهذا حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم وأما في حال إقامتهم في البلد فكما قال الله تعالى ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) ولهذا قال تعالى ( لإيلاف قريش إيلافهم ) بدل من الأول ومفسر له ولهذا قال تعالى ( إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ) وقال بن جرير الصواب أن اللام لام التعجب كأنه يقول اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك قال وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال ( فليعبدوا رب هذا البيت ) أي فليوحدوه بالعبادة كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما كما قال تعالى ( قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين ) وقوله تعالى ( الذي أطعمهم من جوع ) أي هو رب البيت وهو الذي أطعمهم من جوع ( وآمنهم من خوف ) أي تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له ولا يعبدوا من دونه صنما ولا ندا ولا وثنا ولهذا من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة ومن عصاه سلبهما منه كما قال تعالى ( ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ) وقد قال بن أبي حاتم حدثنا عبد الله بن عمرو العدني حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ليث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله
يقول ويل لكم قريش لإيلاف قريش ثم قال حدثنا أبي حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى يعني بن يونس عن عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله يقول لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ويحكم يا معشر قريش اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف هكذا رأيته عن أسامة بن زيد وصوابه عن أسماء بنت يزيد بن السكن أم سلمة الأنصارية رضي الله عنها فلعله وقع غلط في النسخة أو في أصل الرواية والله أعلم
سوره الماعون
بسم الله الرحمن الرحيم
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
التفسير
مقدمة تفسير سورة لإيلاف قريش ولله الحمد والمنة تفسير سورة الماعون بسم الله الرحمن الرحيم يقول تعالى أرأيت يا محمد الذي يكذب بالدين وهو المعاد والجزاء والثواب ( فذلك الذي يدع اليتيم ) أي هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه ولا يطعمه ولا يحسن إليه ( ولا يحض على طعام المسكين ) كما قال تعالى ( كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين ) يعني الفقير الذي لاشيء له يقوم بأوده وكفايته ثم قال تعالى ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال بن عباس وغيره يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر ولهذا قال ( للمصلين ) الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها ثم هم عنها ساهون إما عن فعلها بالكلية كما قاله بن عباس وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا فيخرجها عن وقتها بالكلية كما قاله مسروق وأبو الضحى وقال عطاء بن دينار الحمد لله الذي قال ( عن صلاتهم ساهون ) ولم يقل في صلاتهم ساهون وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها فاللفظ يشمل ذلك كله ولكن من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها وكمل له النفاق العملي كما ثبت في الصحيحين 622 أن رسول الله قال تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى كما ثبت به النص إلى آخر وقتها وهو وقت كراهة ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا ولهذا قال لا يذكر الله فيها إلا قليلا ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس لا ابتغاء وجه الله فهو كما إذا لم يصل بالكلية قال الله تعالى ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) وقال تعالى ها هنا ( الذين هم يراءون ) وقال الطبراني 1212803 حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي حدثني أبي حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن يونس عن الحسن عن بن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال إن في جهنم لواديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد لحامل كتاب الله وللمصدق في غير ذات الله وللحاج إلى بيت الله وللخارج في سبيل الله وقال الإمام أحمد 2212 حدثنا أبو نعيم حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة قال كنا جلوسا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء فقال رجل يكنى بأبي يزيد سمعت عبد الله بن عمرو يقول قال رسول الله من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وحقره وصغره ورواه أيضا 2162 عن غندر ويحيى القطان عن شعبة عن عمرو بن مرة عن رجل عن عبد الله بن عمرو عن النبي فذكره ومما يتعلق بقوله تعالى ( الذين هم يراءون ) أن من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أن هذا لا يعد رياء والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا هارون بن معروف حدثنا مخلد بن يزيد حدثنا سعيد بن بشير حدثنا الأعمش
عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنت أصلي فدخل علي رجل فأعجبني ذلك فذكرته لرسول الله فقال كتب لك أجران أجر السر وأجر العلانية قال أبو علي هارون بن معروف بلغني أن بن المبارك قال نعم الحديث للمرائين وهذا حديث غريب من هذا الوجه وسعيد بن بشير متوسط وروايته عن الأعمش عزيزة وقد رواه غيره عنه قال أبو يعلى أيضا حدثنا محمد بن المثنى بن موسى حدثنا أبو داود حدثنا أبو سنان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله الرجل يعمل العمل يسره فإذا اطلع عليه أعجبه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم له أجران أجر السر وأجر العلانية وقد رواه الترمذي 2384 عن محمد بن المثنى وبن ماجة 4226 عن بندار كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني واسمه ضرار بن مرة ثم قال الترمذي غريب وقد رواه الأعمش وغيره عن حبيب عن أبي صالح مرسلا وقد قال أبو جعفر بن جرير حدثني أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي حدثني رجل عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله لما نزلت هذه الآية ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال الله أكبر هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته وإن تركها لم يخف ربه فيه جابر الجعفي وهو ضعيف وشيخه مبهم لم يسم والله أعلم وقال بن جرير أيضا حدثني زكريا بن أبان المصري حدثنا عمرو بن طارق حدثنا عكرمة بن إبراهيم حدثني عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال سألت رسول الله عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية ويحتمل صلاتها بعد وقتها شرعا أو تأخيرها عن أول الوقت وكذا رواه الحافظ أبو يعلى 822 عن شيبان بن فروخ عن عكرمة بن إبراهيم به ثم رواه 704 عن أبي الربيع عن جابر عن عاصم عن مصعب عن أبيه موقوفا سهوا عنها حتى ضاع الوقت وهذا أصح إسنادا وقد ضعف البيهقي رفعه وصحح وقفه وكذلك الحاكم وقوله تعالى ( ويمنعون الماعون ) أي لا أحسنوا عبادة ربهم ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى وقد قال بن أبي نجيح عن مجاهد قال على الماعون الزكاة وكذا رواه السدي عن أبي صالح عن علي وكذا روي من غير وجه عن بن عمر وبه يقول محمد بن الحنفية وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وعطاء وعطية العوفي والزهري والحسن وقتادة والضحاك وبن زيد قال الحسن البصري إن صلى راءى وإن فاتته لم يأس عليها ويمنع زكاة ماله وفي لفظ صدقة ماله وقال زيد بن أسلم هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها وضمنت الزكاة فمنعوها وقال الأعمش وشعبة عن الحكم عن يحيى بن الخراز أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون فقال هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر وقال المسعودي عن سلمة بن كهيل عن أبي العبيدين أنه سأل بن مسعود عن الماعون فقال هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك وقال بن جرير حدثني محمد بن عبيد المحاربي حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي العبيدين وسعد بن عياض عن عبد الله قال كنا أصحاب محمد نتحدث أن الماعون الدلو والفأس والقدر لا يستغنى عنهن وحدثنا خلاد بن أسلم أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي مثله وقال الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد عن عبد الله أنه سئل عن الماعون فقال ما يتعاوره الناس بينهم الفأس والدلو وشبهه وقال بن جرير حدثنا عمرو بن علي الفلاس حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال كنا مع نبينا ونحن نقول الماعون منع الدلو وأشباه ذلك وقد رواه أبو داود 1657 والنسائي 11701 عن قتيبة عن أبي عوانة بإسناده نحوه ولفظ النسائي عن عبد الله قال كل معروف صدقة وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله عارية الدلو والقدر وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال الماعون العواري القدر والميزان والدلو وقال بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس ( ويمنعون الماعون ) يعني متاع البيت وكذا قال مجاهد
وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وأبو مالك وغير واحد أنها العارية للأمتعة وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن بن عباس ويمنعون الماعون قال لم يجئ أهلها بعد وقال العوفي عن بن عباس ويمنعون الماعون قال اختلف الناس في ذلك فمنهم من قال يمنعون الزكاة ومنهم من قال يمنعون الطاعة ومنهم من قال يمنعون العارية رواه بن جرير ثم روى عن يعقوب بن إبراهيم عن بن علية عن ليث بن أبي سليم عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي الماعون منع الناس الفأس والقدر والدلو وقال عكرمة رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والإبرة رواه بن أبي حاتم وهذا الذي قاله عكرمة حسن فإنه يشمل الأقوال كلها وترجع كلها إلى شيء واحد وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة ولهذا قال محمد بن كعب ويمنعون الماعون قال المعروف ولهذا جاء في الحديث كل معروف صدقة وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن بن أبي ذئب عن الزهري ( ويمنعون الماعون ) قال بلسان قريش المال وروى ها هنا حديثا غريبا عجيبا في إسناده ومتنه فقال حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا قيس بن حفص الدارمي حدثنا دلهم بن دهيم العجلي حدثنا عائذ بن ربيعة النميري حدثني قرة بن دعموص النميري أنهم وفدوا على رسول الله فقالوا يا رسول الله ما تعهد إلينا قال لا تمنعوا الماعون قالوا يا رسول الله وما الماعون قال في الحجر وفي الحديدة وفي الماء قالوا فأي الحديدة قال قدوركم النحاس وحديد الفأس الذي تمتهنون به قالوا ماالحجر قال قدوركم الحجارة غريب جدا ورفعه منكر وفي إسناده من لا يعرف والله أعلم وقد ذكر بن الأثير في الصحابة ترجمة علي النميري فقال روى بن مانع بسنده إلى عامر بن ربيعة بن قيس النميري عن علي بن فلان النميري سمعت رسول الله يقول المسلم أخو المسلم إذا لقيه جاء بالسلام ويرد عليه ماهو خير منه لا يمنع الماعون قلت يا رسول الله ما الماعون قال الحجر والحديد وأشباه ذلك والله أعلم
سوره الكوثر
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
التفسير
الآيات ( 108 1 3 ) مقدمة تفسير سورة الكوثر بسم الله الرحمن الرحيم سورة الكوثر وهي مدنية وقيل مكية قال الإمام أحمد 3102 حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن انس بن مالك قال أغفى رسول الله إغفاءة فرفع رأسه متبسما إما قال لهم وإما قالوا له لم ضحكت فقال رسول الله إنه أنزلت علي آنفا سورة فقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر ) حتى ختمها فقال هل تدرون ما الكوثر قالوا الله ورسوله أعلم قال هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي وهذا السياق عن محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء من نهر الكوثر وأن آنيته عدد نجوم السماء وقد روى هذا الحديث مسلم 400 وأبو داود 4747 والنسائي 11702 من طريق علي بن مسهر ومحمد بن فضيل كلاهما عن المختار بن فلفل عن أنس ولفظ مسلم قال بينا رسول الله بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما قلنا ما أضحكك يا رسول الله قال لقد أنزلت علي آنفا سورة فقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شأنئك هو الأبتر ) ثم قال أتدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم في السماء فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه من امتي فيقول إنك لا تدري ما أحدث بعدك وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة وأنها منزلة معها فأما قوله تعالى ( إنا أعطيناك الكوثر ) فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى عن أنس فقال 3247 حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الآية ( إنا أعطيناك الكوثر قال قال رسول الله أعطيت الكوثر فإذا هو نهر يجري ولم يشق شقا وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي في تربته فإذا مسك أذفر وإذا حصباؤه اللؤلؤ الكوثر لما عرج بالنبي إلى السماء قال أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر وهو لفظ البخاري رحمه الله وقال بن جرير حدثنا الربيع أخبرنا بن وهب عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر قال سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال لما أسري برسول الله مضى به جبريل إلى السماء الدنيا فإذا هو بنهر عليه قصر من اللؤلؤ وزبرجد فذهب يشم ترابه فإذا هو مسك قال يا جبريل ما هذا النهر قال هو الكوثر الذي خبأ لك ربك وقد تقدم حديث الإسراء في سورة سبحان من طريق شريك عن أنس عن النبي وهو مخرج في الصحيحين وقال سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال بينما أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقال الملك الذي معه أتدري ما هذا هذا الكوثر الذي أعطاك الله وضرب بيده إلى أرضه فأخرج من طينه المسك وكذا رواه سليمان بن طرخان ومعمر وهمام وغيرهم عن قتادة به قال بن جرير حدثنا أحمد بن أبي سريج حدثنا أبو أيوب العباس حدثنا إبراهيم بن سعد حدثني محمد بن عبد الوهاب بن أخي بن شهاب عن أبيه عن أنس قال سئل رسول الله عن الكوثر فقال هو نهر أعطانيه الله تعالى في الجنة ترابه مسك أبيض من اللبن وأحلى من العسل ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر قال أبو بكر يا رسول الله إنها لناعمة قال آكلها أنعم منها وقال أحمد 3220 حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا الليث عن يزيد بن الهاد عن عبد الوهاب عن عبد الله بن مسلم بن شهاب عن أنس أن رجلا قال يا رسول الله ما الكوثر قال هو نهر في الجنة أعطانيه ربي لهو أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر قال عمر يا رسول الله إنها لناعمة قال آكلها أنعم منها يا عمر رواه بن جرير من حديث الزهري عن أخيه عبد الله عن أنس أنه سأل رسول الله عن الكوثر فذكر مثله سواء وقال البخاري 4965 حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال سألتها عن قوله تعالى ( إنا أعطيناك الكوثر ) قالت نهر أعطيه نبيكم شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم ثم قال البخاري رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق ورواه أحمد والنسائي من طريق مطرف به وقال بن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة قالت الكوثر نهر في الجنة شاطئاه در مجوف وقال إسرائيل نهر في الجنة عليه من الآنية عدد نجوم السماء وحدثنا بن حميد حدثنا يعقوب القمي عن حفص بن حميد عن شمر بن عطية عن شقيق أو مسروق قال قلت لعائشة يا أم المؤمنين حدثيني عن الكوثر قالت نهر في بطنان الجنة قلت وما بطنان الجنة قالت وسطها حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت ترابه المسك وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن أبي جعفر الرازي عن بن أبي نجيح عن عائشة رضي الله عنها قالت من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليجعل أصبعيه في أذنيه وهذا منقطع بين بن أبي نجيح وعائشة وفي بعض الروايات عن رجل عنها ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك لا أنه يسمعه نفسه والله أعلم قال السهيلي ورواه الدارقطني مرفوعا من طريق مالك بن مغول عن الشعبي عن مسروق عن عائشة عن النبي ثم قال البخاري 4966 حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر هو الخير الذي أعطاه الله إياه قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه ورواه أيضا 6578 من حديث هشيم عن أبي بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله عنهما قال الكوثر الخير الكثير وقال الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال الكوثر الخير الكثير وهذا التفسير يعم النهر وغيره لأن الكوثر من الكثرة وهو الخير الكثير ومن ذلك النهر كما قال بن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحارب بن دثار والحسن بن أبي الحسن البصري حتى قال مجاهد هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة وقال عكرمة هو النبوة والقرآن وثواب الآخرة وقد صح عن بن عباس أنه فسره بالنهر أيضا فقال بن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عمر بن عبيد عن عطاء عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال الكوثر نهر في الجنة حافتاه ذهب وفضة يجري على الياقوت والدر ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل وروى العوفي عن بن عباس نحو ذلك وقال بن جرير حدثني يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن بن عمر أنه قال الكوثر نهر في الجنة حافتاه ذهب وفضة يجري على الدر والياقوت ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وكذا رواه الترمذي عن بن حميد عن جرير عن عطاء بن السائب به مثله موقوفا وقد روي مرفوعا فقال الإمام أحمد 2158 حدثنا علي بن حفص حدثنا ورقاء قال وقال عطاء عن محارب بن دثار عن بن عمر قال قال رسول الله الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب والماء يجري على اللؤلؤ وماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وهكذا رواه الترمذي 3361 وبن ماجة 4334 وبن أبي حاتم وبن جرير من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب به مرفوعا وقال الترمذي حسن صحيح وقال بن جرير حدثني يعقوب حدثنا بن علية أخبرنا عطاء بن السائب قال قال لي محارب بن دثار ما قال سعيد بن جبير في الكوثر قلت حدثنا عن بن عباس أنه قال هو الخير الكثير فقال صدق والله إنه للخير الكثير ولكن حدثنا بن عمر قال لما نزلت ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال رسول الله الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت وقال بن جرير حدثني بن البرقي حدثنا بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير أخبرني حرام بن عثمان عن عبد الرحمن الأعرج عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما فلم يجده فسأل عنه امرأته وكانت من بني النجار فقالت خرج يا نبي الله آنفا عامدا نحوك فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار أولا تدخل يا رسول الله فدخل فقدمت إليه حيسا فأكل منه فقالت يا رسول الله هنيئا لك ومريئا لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر فقال أجل وعرضه يعني أرضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ حرام بن عثمان ضعيف ولكن هذا سياق حسن وقد صح أصل هذا بل قد تواتر من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث وكذلك أحاديث الحوض وهكذا روي عن أنس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف أن الكوثر نهر في الجنة وقال عطاء هو حوض في الجنة وقوله تعالى ( فصل لربك وانحر ) أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك فاعبده وحده لاشريك له وانحر على اسمه وحده لاشريك له كما قال تعالى ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) قال بن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن يعني بذلك نحر البدن ونحوها وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والربيع وعطاء الخرساني والحكم وسعيد بن أبي خالد وغير واحد من السلف وهذا بخلاف ما كان عليه المشركون من السجود لغير الله والذبح على غير اسمه كما قال تعالى ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) الآية وقيل المراد بقوله وانحر وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى تحت النحر يروى هذا عن علي ولا يصح وعن الشعبي مثله وعن أبي جعفر الباقر ( وانحر ) يعني رفع اليدين عند افتتاح الصلاة وقيل ( وانحر ) أي استقبل بنحرك القبلة ذكر هذه الأقوال الثلاثة بن جرير وقد روى بن أبي حاتم ها هنا حديثا منكرا جدا فقال حدثنا وهب بن إبراهيم القاضي سنة خمس وخمسين ومائتين حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي حدثنا مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت هذه السورة على النبي ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ) قال رسول الله يا جبريل ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي فقال ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع وإن لكل شيء زينة وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة وهكذا رواه الحاكم في المستدرك 2537 من حديث إسرائيل بن حاتم به وعن عطاء الخرساني ( وانحر ) أي ارفع صلبك بعد الركوع واعتدل وأبرز نحرك يعني به الإعتدال رواه بن أبي حاتم وكل هذه الأقوال غريبة جدا والصحيح القول الأول أن المراد بالنحر ذبح المناسك ولهذا كان رسول الله يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له فقام أبو بردة بن نيار فقال يا رسول الله إني نسكت شاتي قبل الصلاة وعرفت أن اليوم يوم يشتهى فيه اللحم قال شاتك شاة لحم قال فإن عندي عناقا هي أحب إلي من شاتين أفتجزىء عني قال تجزئك ولا تجزىء أحدا بعدك قال أبو جعفر بن جرير والصواب قول من قال إن معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له وخصك به وهذا الذي قاله في غاية الحسن وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعب القرظي وعطاء وقوله تعالى ( إن شانئك هو الأبتر ) أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره قال بن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة نزلت في العاص بن وائل وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له فإذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله هذه السورة وقال شمر بن عطية نزلت في عقبة بن أبي معيط وقال بن عباس أيضا وعكرمة نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش وقال البزار حدثنا زياد بن يحيى الحساني حدثنا بن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن بن عباس قال قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا الصنبر المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية فقال أنتم خير منه قال فنزلت ( إن شأنئك هو الأبتر ) هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح وعن عطاء قال نزلت في أبي لهب وذلك حين مات بن لرسول الله فذهب أبو لهب إلى المشركين فقال بتر محمد الليلة فأنزل الله في ذلك ( إن شأنئك هو الأبتر ) وعن بن عباس نزلت في أبي جهل وعنه ( إن شانئك ) يعني عدوك وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم وقال عكرمة الأبتر الفرد وقال السدي كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا بتر فلما مات أبناء رسول الله قالوا بتر محمد فأنزل الله ( إن شانئك هو الأبتر ) وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره وحاشا وكلا بل قد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد وأوجب شرعهعلى رقاب العبادمستمرا على دوام الآباد إلى يوم المحشر والمعاد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد |
الحمد الله الذى هدانا وما كنا لنتهدى لولا ان هدانا الله
احمد مدحت
فاكهه وعين اعيان علوم المنصوره