حد فاصل يقف حاجزاً بين الكتابة الساخرة وبين " التهريج " الذي لا يرى هذا الحد هو ذلك الذي لا يفرق بين من يرقص طرباً وبين من يهزة الألم ويصارع الوجع !
إن الأدب عموما والأدب الساخر على وجه التحديد هو الركيزة التي يستند عليها الساخر ، إسماً وفعلا ..
ولكن هذا المفهوم " الأدب الساخر " لا يزال مفهوماً مرتبكاً غير واضح المعالم بالنسبة للكثير من الأعضاء هنا في الساخر ، الذين يأتون إلى " الحرف التاسع والعشرين " ثم يكتبوا أشياء وأشياء ، ربما تكون أشياء جميلة وقد لا تكون ..
قد تكون اي شيء إلا أنها ليست أدباً ساخراً ولا تنتمي إليه !
كثيرون تحدثوا عن الأدب الساخر ، عن مفهومة ، وماهيته واين هو الحد الذي يمكن أن نقول كل مادون هذا الحد ليس أدباً ساخرا ..
سأورد هنا بعض مما قيل ، فلم يترك الأولون للآخرين شيئا ..
ولعل هذه الأقوال والعبارات تصف بوضوح ماهو هذا الشيء المسمى " أدباً ساخراً " الذي نريد أن يكون عنوانه هنا في " الحرف التاسع والعشرين " !
.
.
.
* السخرية من أعرق أسلحة البشر و ألطفها فهي سلاح الفقير على الغني, سلاح الضعيف على القوي, سلاح المظلوم على الظالم, سلاح المطحون على الطاحن, سلاح الثاني على الأول, لذا فالسخرية سلاح الأكثرية.
فكلما أمعنت في سخريتك تكون أكثر صدقاً، ونبلاً في هذا الزمان المتلاطم الحافل بالكذب والخداع والرياء، فالسخرية - عند علماء النفس - هي: "سلاح ذاتي يستخدمه الفرد للدفاع عن جبهته الداخلية ضد الخواء والجنون المطبق، إذ إن السخرية رغم هذا الامتلاء الظاهر بالمرح والضحك والبشاشة، إلا أنها تخفي خلفها أنهاراً من الدموع.. إنها مانعة صواعق ضد الانهيار النفسي. ( سلام الباسل )
* كلما زادت مساحة الحرية قلت مساحة السخرية حيث أن الحرية تتغذى بنقصانها فكلما نقصت الحرية زادت الحاجة إلى الأدب الساخر.
و ليس هناك تاريخ أو شهادة ميلاد "للنص الساخر"..فعندما ارتفع السوط الأول في وجه الإنسان (السوط الاجتماعي أو السياسي, أو الاقتصادي أو الديني ) ولدت السخرية, وولدت المقاومة بالضحكة ومن ثم كان الانتصار للضاحكين...
و حول ماهية الأدب الساخر نرى أنه الخلطة السرية بين اللغة والمفردة والحكاية الشعبية واصطياد المفارقة في المشهد سواء أكان هذا الأدب نكتة شفوية, أو كاريكاتير, أو قصّة ساخرة أو نصاً ساخرا.ً
كما إن النص الساخر يجب أن يكون بياناً سريّاً بين الكاتب والقارئ, بين الهمّ والضحكة,بين الوجع وصاحبه, بين القلم والممحاة كرسائل العشّاق سرية وخجولة وبينية, يكون البوح الهادئ فيها بين حمرة الجرح وحمرة الشفاه, بين الحرف والحرف, بين الغرّة والشال..فالسخرية قهوة الكادحين... والضحك دخانهم المجاني. (أحمد الزعبي)
* الكتابة الساخرة في كل الأحوال تعكس صورة الواقع بجماله وقبحه، ولكن بأسلوب مختلف عن الكتابة العاديّة ( فخري قعوار )
* إن السخرية ليست تنكيتاً ساذجاً على مظاهر الأشياء، ولكنها تشبه نوعا خاصاً من التحليل العميق. إن الفارق بين النكتجي والكاتب الساخر يشابه الفارق بين الحنطور والطائرة، وإذا لم يكن للكاتب الساخر نظرية فكرية فإنه يضحى مهرجاً. ( غسان كنفاني )
* إذا كانت السخرية لمجرد إضحاك القارئ، فهناك: النكتة الشفوية، التي تقوم بهذا الفعل الإنساني على أكمل وجه، وبأسرع ما يكون الإيصال ويكون التكثيف. السخرية الشفوية.. وليدة حاجة البشر إليها، وليدة ساعتها، وقد تنقضي بعد انقضاء ضحكاتها.
الكتابة الساخرة موقف من العالم، التقاط لأبرز مفارقاته، هجاء لنقائضه، يدمي الروح في اللحظة ذاتها التي يضحك فيها الكائن البشري على ضعفه وتخاذله وخساسته وابتذاله، قبل أن يضحك بسببها على الآخرين.
فالأدب الساخر يحصن الروح الإنسانية عن صمتها وخوفها وترددها في التعبير والتصريح وإثارة الأسئلة، حتى لكأنه آخر ملاذات الكائن من اغتيال كينونته، بل.. نافذته على قهقهة مديدة مغمسة بالألم تسُخر لتهجو الطغاة والجلادين وكتبة التقارير وقتلة الحب والجمال وضحكات الأمل ( نجم الدين سمان )
* السخرية هي صمام الأمان الذي يمنع طنجرة الضغط التي أحملها فوق كتفي من الانفجار! هي وسيلتي كانسان ضعيف للتوازن في هذا العالم المليء، هي فن (الخيمياء) الذي يحول معادن الحياة اليومية الخسيسة إلى معادن نفيسة! بالسخرية يتحول الألم إلى ضوء والعجز إلى أفكار ( شوقي بغدادي )
* كل ما أعرفه أن السخرية والضحك عمل جماعي وأنه عمل يحتاج للآخر بشكل جوهري، إنه عمل اجتماعي بالضرورة، والآخر هو الأساس في التعاطي مع السخرية. قد أميل قليلاً إلى تصديق علماء النفس الذين يدّعون بأن السخرية بشكل عام هي سلاح فردي يستخدمه الفرد للدفاع عن جبهته الداخلية ضد الخواء والجنون غير المطبق، وهي مانعة صواعق ضد الانهيار النفسي، إذ بجسد منهك وبقلم رديء الصنع تستطيع إخفاء هشاشتك الداخلية أمام الآخرين سواء كانوا أفرادا أم جماعات. أم قوى سائدة تتحكم في مقدرات المجتمع وقراراته المصيرية ( يوسف غيشان )
وبالتأكيد أن هناك الكثير ممن تحدثوا عن الأدب الساخر والكتابة الساخرة ، ولكننا هنا نريد أن نعلق سراجاً يضيء بالقدر الذي يكفي لنبصر الأشياء على حقيقتها ، والشيء الذي نريد أن نلقي عليه هنا ولو ضوء سراج مكسور هو " الأدب الساخر " ..!